responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 334
يَعْبُدُونَهَا وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً إِنَّمَا هُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ، وَتَسْمِيَةٌ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، تَلَقَّاهَا خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ مُسْتَنَدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أَيْ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالتَّصَرُّفَ وَالْمَشِيئَةَ وَالْمُلْكَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلا إياه، ثم قال تعالى: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أَيْ هَذَا الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ لَهُ، هُوَ الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه وبرضاه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ، وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يُوسُفَ: 103] .
وقد قال ابن جرير [1] : إِنَّمَا عَدَلَ بِهِمْ يُوسُفُ عَنْ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إِلَى هَذَا، لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهَا ضَارَّةٌ لِأَحَدِهِمَا، فَأَحَبَّ أَنْ يَشْغَلَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُعَاوِدُوهُ فِيهَا. فَعَاوَدُوهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِمُ الْمَوْعِظَةَ، وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَهُمَا أَوَّلًا بِتَعْبِيرِهَا، وَلَكِنْ جَعَلَ سُؤَالَهُمَا لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ وُصْلَةً وَسَبَبًا إِلَى دُعَائِهِمَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ، لِمَا رَأَى فِي سَجِيَّتِهِمَا مِنْ قبول الخير والإقبال عليه والإنصاف إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَعْوَتِهِمَا شَرَعَ فِي تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ سُؤَالٍ فقال:

[سورة يوسف (12) : آية 41]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41)
يقول لهما يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِئَلَّا يَحْزَنَ ذَاكَ، وَلِهَذَا أَبْهَمَهُ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزًا، ثُمَّ أَعْلَمَهُمَا أَنَّ هَذَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قَالَا مَا قَالَا وَأَخْبَرَهُمَا، قَالَا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا، فَقَالَ: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [2] .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ، وَكَذَا فَسَّرَهَ مُجَاهِدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَحَلَّمَ بِبَاطِلٍ، وَفَسَّرَهُ فإنه يلزم بتأويله، والله تعالى أعلم، وقد ورد في الحديث الشريف الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ» وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «الرؤيا لأول عابر» .

[1] تفسير الطبري 7/ 214، 215.
[2] تفسير الطبري 7/ 219.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 334
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست